من دماغي

أسامة الشاذلي كتب: نعبد الله حبًا وإيمانًا لا مثلما تفكرون

أسامة الشاذلي كتب: نعبد الله حبًا وإيمانًا لا مثلما تفكرون
أسامة الشاذلي كتب: نعبد الله حبًا وإيمانًا لا مثلما تفكرون

 

نُشِر المقال يوم 9 يناير 2020م على موقع الميزان

(كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ).. الآية رقم 54 في سورة الدخان التي اعتبرها المفسرون إشارة لنساء جميلات أبكار يتزوجهن الرجال في الجنة ويبلغ عددهن 70 امرأة، ظهر لها تفسير جديد مدهش يثير الانتباه وينهي الكثير من عقد الكبت الجنسي العربي الذي تم تفريغه في الجنة المشتهاة، وهو التفسير الذي نشرته صباح إبراهيم، معتمدا على الأصل اللغوي للكلمات وليس الأصل الفقهي.

ويعتقد علماء اللغات القديمة جميعًا أن الآية تحتوي كلمات سريانية تقرأ هكذا بعد حذف التنقيط الذي تم إضافته للمصحف في عهود تالية لوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام لتصبح: (وكذلك رَوّحناهُم بـحورِ عِين). وتفسير روحناهم هو ريحناهم أو رفهنا عنهم، وكلمة حور في اللغة السريانية هو العنب الأبيض، وتستعمل الكلمة ذاتها في اللغة بالعربية للدلالة على البياض، وعِين تعني في اللغة السريانية عين الماء أو نبع الماء قرب عرائش العنب.

يبدو هذا التفسير مدهشًا ومزعجًا للكثيرين، وستخرج الأصوات المعارضة لتقول إن القرآن أنزل بلسان عربي مبين، لكن ما هو رأيك عزيزي القارئ المعترض عندما تعلم أن كلمة “قرآن” في حد ذاتها كلمة سريانية تعني كتاب الصلوات، بل وكلمة “سورة” سريانية الأصل وتعني الفصل أو النص.

يحتوي القرآن الكريم على عدة كلمات سريانية أخرى أبرزها سندس وفردوس واستبرق وزنجبيل والرقيم وغيرها من الكلمات على حسب كتاب “قراءة آرامية سريانية للقرآن” للمستشرق الألماني بوين، والذي نشره تحت اسم مستعار هو كريستوف لوكسنبرج .

إلى هنا ينتهي التفسير ويبدأ السؤال الشهير: ماذا لو كان هذا الكلام صحيحًا؟

كم من أولئك المكبوتين جنسيًا المهوسيين بنصفهم الأسفل، كان سيتوقف عن الجهاد وقتل نفسه وترويع الآمنين بحثًا عن 70 حورية في الجنة؟ ماذا لو توقفنا عن تخيل الجنة بتلك الصورة الساذجة لأنهار وحدائق ونساء جميلات وصبيان صغار؟ عن نفسي أفضل أن تكون جنتي شاشة سينما كبيرة والبقاء في حضن المرأة الوحيدة التي أحبها خالدًا فيها وبها.

هذا التفسير “الشاذ” عن الجميع، يهدم ما فعله حسن الصباح قبل ألف عام عندما أسس قاعدته في قلعة أَلَمُوت وصنع من الحشاشين أكبر فرقة اغتيالات في التاريخ، حين صور لهم الجنة بعد تعاطي الحشيش حتى يقبلوا بتنفيذ العمليات التي كلفهم بها، المدهش أن ما فعله الصباح ما زال يحدث حتى الآن وهو ما فعلته القاعدة وتفعله داعش حاليًا في بيئة صالحة لنمو مثل هذا الفكر، لأنه يقوم في النهاية على الكبت والقهر واحتقار المرأة.

المرأة التي كرمها الإسلام واحتقرها رجاله في الدنيا ثم أصروا على احتقارها في الآخرة لدرجة أن الزوجة ستتشارك زوجها مع عشرات الحوريات الأخريات، بل وستجبر الزوجة الكارهة على البقاء مع الرجل الذي بغضته في الدنيا، بل وستبقى المرأة التي لم ترتبط في الدنيا تعاني الوحدة في الجنة لأنها بلا حور عين من الرجال، القصة شائكة تمامًا وسترفضها العقلية الذكورية المتفشية في الشرق الأوسط، بل وربما ترفضها بعض النساء اللاتي أسسن لتلك البيئة المريضة.

الجنة حق والحق لا يميل لأحدهم على حساب الآخر بسبب عضوه الجنسي، والله عدل والعدل لم يخلق الجنة من أجل أن يتمتع الرجال بالنساء، بل لأنها المستقر النهائي لعباده الصالحين وتصويرها البدائي الذي اعتمد على تفسيرات قديمة للقرآن الكريم يبدو مناسبًا لعصره، والذي اعتمد على تبسيط مخل في كتاب مقدس حمال أوجه، والله العليم وحده يعلم شكلها الحقيقي والذي من المؤكد سوف يرضي الجميع لأنها جنة، المضحك هو أن أولئك الذين وهبوا عمرهم للقتل والإرهاب، لن يعرفوا أبدًا شكل تلك الجنة ولن يعانوا من الصدمة التي سيحدثها الشكل الحقيقي لأنهم والله أعلم سيعانون ويلات العذاب.

عزيزي القارئ، ربما كان يجب أن أكتب تحذيرًا في بداية هذا المقال أن محتواه صادم، لكنني فضلت أن أكتبه في النهاية حتى لا يقرأه سوى الذين وصلوا لنهاية المقال، لأنهم وحدهم ما زالوا يطبقون الفريضة الغائبة، فريضة إعمال العقل، تلك الفريضة التي تستلزم أن نسمع كل الآراء والتفسيرات، ثم نستفتي قلوبنا، استفتوا قلوبكم يرحمكم الله.

أسامة الشاذلي

روائي وكاتب وناقد مصري تخرج من الكلية الحربية عام 1994 وظل بالخدمة حتى استقالته في يناير 2005، ليتفرغ بعدها لدراسة النقد السينمائي والكتابة، قام الشاذلي بتأسيس مواقع إلكترونية متخصصة في المحتوى النوعي “دائم الخضرة” مثل “كسرة – المولد – الميزان” إضافة إلى المشاركة في تأسيس موقع السينما دوت كوم، وكتب مقالات في كثير من المؤسسات الصحفية، إضافة إلى إنتاجه الأدبي حيث كتب ٨ روايات ومجموعتين قصصيتين، ولأسامة الشاذلي تجربة في كتابة الشعر الغنائي إلى جانب تحريره وإعداده أعمال إذاعية وبرامج تلفزيونية، إضافة لإنتاج وصناعة أفلام وثائقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *